بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} وقد تقدَّم الاسْتِدْلاَل على أنَّ صَاحِب الكَبِيرَةِ مُؤمِنٌ.

فصل


قالت المُعْتَزِلَة: دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّه - سبحانه [وتعالى]- ما خَلَق خَلْقاً ابْتِدَاءً لأجْلِ التَّعْذِيب والعِقَابِ؛ لأن قوله: ﴿مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ صريحٌ في أنَّه - تعالى - لَمْ يَخْلُق أحْداً لِغَرَضِ التَّعْذِيبِ.
ودلَّت أيضاً على أنَّ فاعل الشُّكْرِ والإيمانِ هو العَبْد، وليس ذلك فِعْلاً للَّه تعالى وإلا لَصَار التَّقْدِير: ما يَفْعَلُ اللَّه بعذَابِكُم بعد أن خَلَقَ الشُّكْرَ والإيمَانَ فِيكُم، وذلك غير مُنْتَظِم.
وتقدَّم الجوابُ عن مِثْلِ ذلك. ثم قال ﴿وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً﴾ أمرَهُمْ بالشُّكْرِ، وسَمَّى الجَزَاءَ شُكْراً، على سَبيلِ الاسْتِعَارةِ، فالشُّكْرُ من اللَّهِ هو الرِّضَا بالقَلِيلِ من عِبَادِهِ، وإضْعَافِ الثَّوَابِ عَلَيْه، والشُّكْر من العَبْدِ الطَّاعَة، والمُراد من كونه عَلِيماً: أنَّهُ عَالِمٌ بِجَميع الجُزْئيَّات، فلا يَقَعُ لَهُ الغَلَطُ ألْبَتَّة، فلا جَرَمَ يُوصلُ الثَّوَابَ إلى الشَّاكِرِ، والعِقَابَ إلى المُعرِضِ.
في كيفيَّة النَّظْمِ وجهانِ:
أحدهما: أنه - تعالى - لمَّا فَضَح المُنَافِقِين وهَتَك سِتْرَهُم، وكان هَتْكُ السِّتْر غَيْرَ لائقٍ بالرَّحِيم الكريم، ذكر - تعالى - ما يَجْري مَجْرَى العُذْرِ من ذَلِك؛ فقال: ﴿لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ يعني: لا يُحبُّ إظهارَ الفَضَائِحِ، إلاَّ في حقِّ من عَظُمَ ضَرَرُه وكَثُر كَيْدُه ومَكْرُه، فَعِنْد ذلك يَجُوز إظْهَار فَضَائِحِه؛ ولهذا قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «اذْكُرُوا الفَاسِقَ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ» والمُنافِقُون قد كَثُر كيْدهُم


الصفحة التالية
Icon