هَبْ أنَّ هذين النوعين تَشَارَكَا في الفَضْلِ إلاَّ أن الوُصُولَ إلى الخيرات الموعودة في [غد القيامة معلوم قطعاً، وأمَّا الوصول إلى الخيرات الموعودة في غد] الدنيا فغيرُ مَعْلوم، بل ولا مظنونٍ، فكم من سُلْطَانِ قاهر في بُكْرَةَ اليوم صار تحت التُّرَابِ في آخر ذلك [اليوم].
الأمر الثالث: هَبْ أنه وجد الإنسان بعد هذا اليوم يوماً آخر في الدنيا إلاَّ أنه لا يَدْرِي هل يمكنه الانْتَفَاعُ بما جمعه من الأموال والطيبات واللَّذاتِ أم لا؟. أمَّا كل ما جمعه من السَّعادات، فإنه قَطْعاً أنه ينتفعُ به في الآخرة.
الأمر الرابع: هَبْ أنه ينتفع بتلك بها إلا أن انْتِفَاعَهُ بخيرات الدنيا لا يَخْلُو عن شَوَائِبِ المكروهات [والانتفاع بخيرات] الآخرة خالٍ [عن] شوائب المكروهات.
الأمر الخامس: هَبْ أنه ينتفع بتلك الأمْوَالِ والطيبات من غير شائبه إلا أن ذلك الانتفاع [مُنْقَرِضٌ] ذاهبٌ والمنافِعُ المُنَقَرِصَةُ تحزن الإنسان لمفارقتها، وكلما كانت تلك المَنَافِعُ أكمل وألَذّ، كانت [تلك] الأحزانُ الحاصلة عن انقراضها وانقطعها أقْوَى وأكمل.
فصل في المراد بقوله: «وللآخرة خير»
قال ابن عباس: المراد بالآخرة الجنَّة، وأنها خير لمن اتَّقَى الكُفْرِ والمعاصي.
وقال الحَسَنُ: المراد نفس دار الآخرة خَيْرٌ.
وقال الأصم: التمسُّكُ بِعَمَلِ الآخرة خير.
وقال آخرون: نعيم الآخرة خيْرٌ من نعيم الدنيا للذين يتَّقُون المعاصي والكبائر، فأمَّا الكَافِرُ والفَاسِق فلا [؛ لأن الدنيا] بالنسبة إليه خير من الآخرة لقوله عليه السلام: «الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ».
قوله: ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُون﴾ قد تقدَّم الكلامُ في مِثْلِ هذه الهمزة الداخلة على «الفاء» وأختها «الواو» و «ثم».
وقرأ ابن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - ونافع وحفص عن عاصم: «تَعْقِلُون» خطاباً لمن كان بحضرته - عليه السَّلام - وفي زمانه.