فإن قيل: قوله - تعالى -: ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ لا يمكن حَمْلُه على إثْبَاتِ أثر من آثار قُدْرَته؛ لأن على هذا التَّقْدِير يَصِيرُ هذا عَيْن قوله: ﴿أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ مكرَّاً؛ فوجب حَمْلُه على أنَّ المُرادَ مِنْه: إتْيَان الرَّبِّ.
قلنا: الجوابُ المُعْتَمد: أنَّ هذا حكاية مَذْهب الكُفَّار؛ فلا يَكُون حُجَّةً.
وقيل: يأتي ربُّك بلا كَيْف؛ لِفَصْل القضاء يِوْم القِيَامة؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً﴾ [الفجر: ٢٢].
وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -:» يَأتي أمْر ربِّك فيهم بالقَتْل أو غَيْره «، وقيل: يَأتِي ربُّك بالعَذَابِ.
وقيل: هذا من المُتَشَابه الَّذِي لا يَعْلَمُ تَأوِيله إلاَّ اللَّه.
»
أو يأتي بعضُ آيات ربِّك «: وهو المُعْجِزَات القَاهِرة.
قوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك﴾.
الجمهور على نصب»
يَوْمَ «، وناصِبهُ [ما] بَعْد» لاَ «، وهذا على أحَدٍ الأقوال الثلاثة في» لاَ «وهي أنَّها يتقدَّم مَعْمُول ما بَعْدَها عَلَيْها مُطْلَقاً، ولا يتقدَّم مُطْلَقاً، ويُفَصَّل في الثالث: بَيْن أن يَكُون جوابَ قَسم، فَيَمْتَنِع؛ أوْ لاَ، فيجوز.
وقرأ زُهَيْر الفَرْقَبِيُّ:»
يومُ «بالرَّفع، وهو مُبْتَدأ، وخَبَرُه الجُمْلَة بعده، والعَائِد مِنْها إليه مَحْذُوف، أي: لا تَنْفَع فيه.
وقرأ الجُمْهُور»
يَنْفَعُ «بالياء من تحت، وقرأ ابنُ سيرين:» تَنْفَع «بالتَّاء من فوق.
قال أبو حاتم: «ذَكَرُوا أنَّه عَلَط»
.
قال شهاب الدِّين: لأنَّ الفِعْل مسندٌ لِمُذَكَّر، وجوابُه: أنَّه لما اكْتَسَب بالإضافَة التَّأنيث، أجْرِي عليه حُكْمُه؛ كقوله: [الطويل]

٢٣٩١ - وتَشْرَقُ بالقَوْلِ الَّذِي قَد أذَعْتَهُ كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وقد تقدَّم تَحْقِيق هذا أوَّل السُّورة؛ وأنْشَد سيبويه: [الطويل]
٢٣٩٢ - مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحُ تَسَفَّهَتْ أعِالِيَهَا مضرُّ الرِّيَاحِ النَّواسِم
وقيل: لأن الإيمان بِمَعْنى: العَقِيدة؛ فهو كقولهم: «أتَتْهُ كِتَابي فاحْتَقَرَهَا» أي: صَحِيفَتِي، ورِسَالَتِي.


الصفحة التالية
Icon