قال: إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها، يعني: العير، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته.
وقرأ مسلمة بن محارب: «بكلمته» على التَّوحيد، والمراد به: اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع، والمراد بقوله: «بِكلماتِهِ» أي: بأمره إيَّاكم بالقتالِ، وقيل: بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه: ﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين﴾ والدَّابرُ الآخر من دبر، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي: ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.
قوله: «لِيُحِقَّ» فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه متعلقٌ بما قبله، أي: ويقطع ليحق الحقَّ، والثاني: أن يتعلَّق، بمحذوفٍ تقديره: ليحقَّ الحقَّ فعل ذلك، أي: ما فعله إلاَّ لهما، وهو إثباتُ الإسلامِ وإظهاره وزوالُ الكُفْرِ ومحقه.
قال الزمخشريُّ: «ويجب أن يُقدَّر المحذوفُ مؤخراً ليفيد الاختصاص وينطبق عليه المعنى». وهذا على رأيه، وهو الصحيحُ.
فإن قيل: قوله: ﴿وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ ثم قوله بعد ذلك «لِيُحِقَّ الحقَّ» تكرير محضٌ.
فالجوابُ: أنَّ المراد بالأوَّل سبب ما وعد اللَّه به هذه الواقعة من النَّصر والظَّفر بالأعداد.
والمراد بالثاني: تقوية القرآن والدِّين ونصرة هذه الشَّريعةِ؛ لأنَّ الذي وقع مع المؤمنين يوم بدر بالكافرين سبب لعزة الدِّين وقوته، ولهذا قرنه بقوله: «ويُبْطِلَ الباطلَ» الذي هو الشرك، وذلك في مقابلة: «الحقّ» الذي هو الدين والإيمان.
فإن قيل: الحقُّ حقٌّ لذاته، والباطلُ باطلٌ لذاته، وما ثبت للشيء لذاته؛ فإنَّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل فما المرادُ من تحقيق الحقِّ وإبطال الباطل.
الجوابُ: المرادُ من تحقيق الحقِّ وإبطال الباطل إظهار كون ذلك الحقِّ حقّاً، وإظهار كون الباطل باطلاً، وذلك يكون تارةً بإظهار الدَّلائل والبينات، وتارةً بتقوية رؤسَاءِ الباطل.

فصل


احتجوا بقوله: «لِيُحِقَّ الحَقَّ» في مسألة خلْقِ الأفعال.


الصفحة التالية
Icon