أحدهما: أنَّهُ حال.
والثاني: أنه استثناء وقد أوضح ذلك الزمخشري.
فقال: «فإن قلت: بِمَ انتصبَ:» إلاَّ مُتَحرِّفاً «؟ قلتُ: على الحالِ و» إلاَّ «لغوٌ، أو على الاستثناءِ من المُولِّين: أي ومنْ يُولِّهم إلا رجلاً منهم مُتَحرفاً أو مُتَحيزاً».
قال أبُو حيان: «لا يردُ بقوله» إلاَّ «لغوٌ أنَّها زائدةٌ، إنَّما يريد أنَّ العامل وهو» يُولِّهِمْ «وصل لِمَا بعدها كقولهم في» لا «من قولهم: جئت بلا زاد - إنَّها لغوٌ. وفي الحقيقة هي استثناءٌ من حال محذوف والتقدير: ومَنْ يُولِّهِم ملتبساً بأية حال إلاَّ من حال كذا، وإن لم تُقدَّرُ حالٌ محذوفة لم يَصِحَّ دخولُ» إلاَّ «لأن الشَّرط عندهم واجبٌ، والواجبُ حكمُهُ ألاَّ تدخل» إلاَّ «فيه لا في المفعول، ولا في غيره من الفضلات، لأنه استثناء مُفرغ، والمفرَّغ لا يكون في الواجب، إنَّما يكون مع النفي أو النهي أو المؤول بهما، فإن جاء ما ظاهرُه خلافُ ذلك يُؤوَّل».
قال شهابُ الدِّينِ: «قوله لا في المفعول ولا في غيره من الفضلات، لا حاجة إليه لنَّ الاستثناء المفرغ لا يدخل في الإيجاب مطلقاً، سواءٌ أكان ما بعد إلاَّ فضلةً أو عمدةً فذكرُ الفضلةِ والمفعول يوهم جوازه في غيرهما».
وقال ابنُ عطيَّة: «وأمَّا الاستثناءُ فهو من المُولِّين الذين تتضمَّنهم» مَنْ «فجعل نصبه على الاستثناء».
وقال جماعةٌ: إنَّ الاستثناءَ من أنوع التولِّي، ورُدَّ هذا بأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون التركيبُ: إلاَّ تحيُّزاً أو تحرُّفاً، والتَّحيُّزُ والتَّحَوُّزُ: الانثمامُ، وتحوَّزت الحيَّة: انطوَتْ، وحُزْتُ الشَّيء: ضَمَمْتُهُ، والحَوْزَةُ: ما يَضُمُّ الأشياء، ووزنُ «متحيَّز» «مُتَفَيعِل» والأصل «مُتَحيْوِز» فاجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسُّكُون فقلبت الواو ياءً، وأدغمت في الباء بعدها، ك: مَيِّت، ولا يجوزُ أن يكون: «مُتفَعِّلاً» ؛ لأنَّه لو كان كذلك لكان «متحوِّزاً»، فأمَّا متحوِّز ف «متفعِّل».

فصل


معنى الآية: إذا ذهبتم للقتال، فلا تولوهم الأدْبَارَ: أي لا تنهزموا، فتجعلوا ظهوركم ممَّا يليهم ثم بيَّن أنَّ الانهزام محرم إلاَّ في حالتين:
إحداهما: أن يكون مُتحَرّفاً للقتال، أي: أنه يجعل تحرفه أنه منهزم، ثم ينعطف عليه، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها. يقال: تحرَّف وانحرف إذا زالَ عن وجهة الاستواء. والثانية: قوله ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ﴾ والتَّحيز الانضمام كما تقدَّم، والفئة


الصفحة التالية
Icon