في صَدْرِكَ شيء لتنذر، كما يقول الرجُلُ للرَّجُل لا تكن ظالماً لتقضي صاحبك دينه فتحمل لام كي على الكون».
وقال الزَّمَخْشَريُّ: فإن قُلْتَ: بِمَ تعلَّق به «لِتُنْذِرُ» ؟ قُلْتُ: ب «أُنزل» أي: أنزل لإنذارك به، أو بالنَّهي؛ لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذا إذا علم أنَّهُ من عند الله شجعه اليقين على الإنْذَارِ.
قال أبُو حيَّان: «فقوله: بالنَّهْي ظاهره أنَّهُ يتعلَّقُ بفعل النهي فيكونُ متعلقاً بقوله:» فَلاَ يَكُنْ «، وكان في تعليق المجرور والعمل في الظَّرْفِ فيه خلاف، وَمَبْنَاهُ على أنَّ» كان «النَّاقِصَة هل تدل على حدثٍ أم لا؟
فمن قال: إنَّهَا تدلُّ على الحدثِ جوَّزَ ذلك، ومن قال: لا تَدُلُّ عليه منعه»
.
قال شهابُ الدِّين: الزَّمَخْشَرِيُّ مسبوق إلى هذا الوجه، بل ليس في عبارته ما يدلُّ على أنَّهُ متعلق ب «يَكُونُ» بل قال «بالنَّهْي» فقد يريدُ بما تضمَّنه من المعنى، وعلى تقدير ذلك فالصَّحيحُ أنَّ الأفعالَ النَّاقِصَةَ كلَّهَا لها دلالةٌ على الحدثِ إلاَّ «لَيْسَ»، وقد أقمت على ذلك أدلَّةً وأتيتُ من أقوالِ النَّاسِ بما يَشْهَدُ لصحَّةِ ذلك كقولِ سيبويه، وغيره في غير هذا المَوْضُوعِ.
وقال صاحبُ «النَّظْم» : وفيه وجهٌ آخرُ، وهو أن تكون اللاَّمُ بمعنى أنْ والمعنى: لا يضيقُ صَدْرُكَ ولا يَضْعُفْ [عن] أن تُنْذِرَ به، والعربُ تضعُ هذه اللام في موضع «أنْ» كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله﴾ [التوبة: ٣٢] وفي موضع آخر: ﴿لِيُطْفِئُواْ﴾ [الصف: ٨] فهما بمعنى واحد.
قال شهابُ الدِّين: هذا قولٌ ساقطٌ جدّاً، كيف يكون حرفُ مختص بالأفعال يقع موضع آخر مختص بالسماء؟
قوله: «وَذِكْرَى» يجوزُ أن يكون في محلِّ رَفْعٍ، أو نَصْبٍ، أو جَرٍّ.
فالرَّفْعُ من وجهين، أحدهما: أنها عطف على «كِتَابٌ» أي: كتابٌ وذكرى أي: تَذْكِيرٌ، فهي اسم مَصْدَرٍ وهذا قول الفرَّاءِ.
والثاني من وجهي الرَّفْع: أنَّهَا خبر مُبتدأ مُضْمرٍ أي: هو ذكرى، وهذا قولُ الزَّجَّاج.
والنَّصْبُ من ثلاثة أوْجُهٍ:


الصفحة التالية
Icon