الشرط الثاني : موافقة العربية
أن يكون للقراءة وجه شائع في العربية.
بمعنى أن توافق وجها مشهورًا، ومعتدًا به، مما قاله النحاة سواء أكان هو الوجه الأصح أم الصحيح؛ لأن القراءة متى ثبتت بالسند المتواتر وموافقه رسم المصحف فلا ينبغي أن ترد، بل تصبح هي حجة على قواعد النحو لا أن تكون قواعد النحو حجة عليها. وقد أحسن الكوفيون باحتجاجهم بقراءات حمزة "وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" بجر الأرحام على أنه يجوز العطف على المجرور دون إعادة الجار، والبصريون المعارضون لهذا يقولون : إن الأرحام جرت على القسم تعظيمًا لها، وحثًا على صلتها١.
فالقراءة سنة متبعة٢، كما روي عن زيد بن ثابت.
وقد فسر البيهقي هذه العبارة بقوله : أراد -أي زيد بن ثابت- أن اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة، لا يجوز مخالفة خط المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة وإن كان غير ذلك سائغًا في اللغة"٣.
وقال أبو عمرو الداني : وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت من الأثر، والأصح في النقل، وإذا ثبت الرواية لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها".
وبرغم ما أكده القراء مما يفيد أن شرط الموافقة لوجه في العربية أي وجه هو لمجرد الاستئناس ومزيد من الاستيثاق ولا ترد القراءة؛ لأجله فإننا نرى مكيًّا يخالف هؤلاء في أمرين :
أولهما : اشتراطه موافقة القراءة لوجه شائعٍ في العربية.
والآخر : أنه يرد القراءة التي لا توافق وجهًا في العربية، وإن وافقت خط المصحف، ونقلها ثقة٤.
________
١ إتحاف فضلاء البشر، ص٧٥.
٢ أخرجه سعيد بن منصور في سنته.
٣ راجع مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان ص١٧٧.
٤ راجع الإبانة ص٥١، ص٥٢.
٥٢ | ٣٢٠