وكان الطلاق مطلقاً في الجاهلية وكان بابه مفتوحاً في الشريعة اليهودية، لا يقيده إلا قيد رقيق واه ضعيف، وهو كتابة الطلاق أمام القاضي، فلما جاء محمد بالقرآن من عند الله جاء بجديد على الفكر في هذه المسألة، لم يقيد الطلاق بذلك القيد الواهي الضعيف الذي لا يحاجز دون الهوى، ولم يمنعه منعاً مطلقاً كما توارث المسيحيون، وإن كانت بعض فرقهم قد أخذت تتحلل من المنع شيئاً فشيئاً، ففتحوا الباب بزاوية ضيقة، ولكنها قد توجد متنفساً من التحلل من زوجية فاسدة، ولم يجزه إجازة مطلقة كما كان يفعل الجاهليون ويتخذونه للمضارة والمكايدة: يطلقون النساء ثم يعضلونهن بالمنع من الزواج.
والمسألة في الطلاق أن الزواج لابد أن يقوم على أساس من الود الدائم المستمر ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ وإذا كان الود المستمر أساس العلاقة الزوجية المستمرة لكي تكون صالحة للبقاء، فإنه إذا تقطع حبل القلوب وتنافر ودها واستحكمت النفرة ولم يمكن علاجها، فالعلاقة الزوجية تكون غير صالحة للبقاء، وإن من المصلحة فصمها، ومن الخير إنهاؤها، ولكن كيف يكون الإنهاء، وكيف يتبين أن السبب المسوغ للطلاق قد وجد، وهو استحكام النفرة وتقطع أوصال المودة، ما السبيل إلى ذلك؟ وكيف يعرف؟


الصفحة التالية
Icon