وهاتك عرض وأصحاب أعراض مهتوكة، ووراء ذلك جماعة يجب أن يسودها الأمن ولا تشيع الفاحشة فيها، فإذا أراد ذو عقل أن يخص برحمته أحد الفريقين، أيخص برحمته من اعتدى وجنى وأزعج الآمنين وهتك الأعراض وأشاع الرذيلة وفتح باب الفوضى على مصراعيه، أم يخص برحمته من اعتدى عليه، والجماعة التي يجب أن يبدل خوفها أمنا، وتسودها الفضيلة وتختفي فيها الرذيلة؟ إن قانون العقل يقول: إن الرحمة تكون بمن وقعت عليهم الجريمة، وهم الآحاد والجماعة، والنكال الشديد بمن وقعت منه الجريمة، وإن النكال بهذا هو الرحمة بهؤلاء، فلينل حكم الله من جريمته ولتكن شاهد عار إلي يوم القيامة، ليرتدع من غوى ولا يضل من اهتدى، وعسى أن يكون العقاب لذنبه إن تاب وأناب.
وقد يقول قائل: "إن عقاب السارق بقطع يده ليس فيه مساواة بين الجريمة والعقاب، فقد يكون المسروق ضئيلاً، ولقج حدَّ نصاب السرقة على مذهب من حده بقدر ضئيل، وهو ربع دينار أو عشرة دنانير، وإن اليد لا يعد لها مال إن لوحظ أنها جزء من كون الإنسان، ووجوده، والمال كيفما كان، ظل زائل وعرَض حائل، ومال الله غاد ورائح، أما اليد فإن زالت لا تعود، وإن قطعت لا توصل، فلا تناسب بين الجريمة والعقوبة، بل بينهما تفاوت كبير، وإن ذلك الكلام يبدو بادئ الرأي وجيهاً


الصفحة التالية
Icon