وبهذا نظر الإسلام وبهذا نطقت مبادئه في العقوبات عامة. وفي الحدود خاصة، فقد قال في القصاص: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ وقال ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فإن هذا صريح في أن العقوبة لمنع سريان الجريمة إلى غير المجرم، إذ النكال هو العقوبة الشديدة، التي تجعل غير المجرم ينكل عن الجريمة، إن وسوست بها نفسه، وهتف بها هاتف الشر في قلبه.
وإن من المقررات العلمية في علم العقاب، أن الجريمة كلما خفيت وجب أن تكون عقوبتها بمقدار خفائها والقدرة على سترها والتخلص من أحكام القوانين في أمرها، وذلك لكي تضطرب نفس المجرم عند إقدامه على الجريمة، وتذكر العقاب فيرتدع ويحجم، ولا يقدم، وإن أستمر على إقدامه فإن الاضطراب يفوت عليه الاحتراس فيترك أثراً يدل عليه، أو يكون منه ما يجعل الناس يشعرون به، فيقبضون عليه وإن من رحمة الله بالناس أنه لا يكاد مجرد يقدم على جريمة شديدة إلا كان منه ما يعلن عمله أو كان من أثاره ما يهدي إليه.
وإن جريمة السرقة كان لها ذلك الخفاء، بل إنها بطبيعتها لا تقع إلا مستترة بظلام دامس، فكان من رحمة الشارع الحكيم أن جعل عقوبتها صارمة دائمة تلقي الذعر في نفس الجاني فيصطرب،


الصفحة التالية
Icon