وفضل قوم التوكل على الاكتساب بالإعراض عن أسبابه اعتمادا للقلب على الله تعالى وعكس قوم ففضلوا الإكتساب على تركه وفضل آخرون باختلاف الأحوال فمن يكون في توكله لا يتسخط عند ضيق الرزق عليه ولا يتطلع إلى أحد من الخلق فالتوكل في حقه أفضل لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس ومن يكون في توكله بخلاف ما ذكر فلاكتساب في حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع
والمختار عندي أنه لا ينافي التوكل الكسب بل يكون مكتسبا متوكلا بأن
يرضى بما قسم له ولا يتطلع إلي أكثر منه وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه لقوم قعدوا وادعوا التوكل
بل أنتم المتأكلون إنما المتوكل الذي يلقي بذرة في الأرض ويتوكل رواه البيهقي وفي رسالة القشيري عن سهل بن عبد الله
التوكل حال النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ والكسب سنته فمن قوي على حاله فلا يتركن سنته ويقرب من ذلك حديث
ادع ناقتي وأتوكل فقال أعقلها وتوكل
ولا ينافيه أيضا إدخار قوت سنة فقد كان ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ يدخر قوت عياله سنة كما في الصحيحن وهو سيد المتوكلين وكل من الخلق أقامه الله على ما يريد سبحانه من الحالة التي هو عليها من كسب وترك وعلم وعمل وارتفاع وانخفاض وغير ذلك لانتظام الوجود إذ لو ترك الناس كلهم الكسب لتعطلت المصالح والمعايش وتفاوتت المراتب في الدنيا والآخرة لاراد لقضائه بالدفع ولا معقب لحكمه بالنقض سبحانه وتعالى والحمد لله تعالى وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصبحه وأتباعه وحزبه هذا آخر شرح النقاية قال مؤلفه رحمه الله تعالى فرغت من تأليفه يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة هجرية
لما كان شرح النقاية المتن فيه ربما يحتاج إليه فتكميلا للفائدة وضعنا متن النقاية بتمامه آخرا
كتاب النقاية متضمنة خلاصة أربعة عشر علما
تأليف الشيخ العلامة جلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم