وفيها العبرةُ بهجرة قوم النبي"إلى البلد الذي حل به كما فعل يعقوبُ _عليه السلام_ وآلُه، وذلك إيماء إلى أن قريشاً ينتقلون إلى المدينة مهاجرين؛ تبعاً لهجرة النبي".
وفيها من عِبَرِ تاريخِ الأممِ والحضارةِ القديمةِ وقوانينِها ونظامِ حكوماتِها وعقوباتِها وتجارتِها، واسترقاقِ الصبيِّ اللقيطِ، واسترقاقِ السارقِ، وأحوالِ المساجينِ، ومراقبةِ المكاييل.
وإن في هذه السورة أسلوباً خاصاً من أساليب إعجاز القرآن وهو الإعجازُ في أسلوب القصص الذي كان خاصة أهل مكة يعجبون مما يتلقونه منه من بين أقاصيص العجم والروم، فقد كان النَّضْرُ بنُ الحارثِ وغيرُه يَفْتِنُون قريشاً بأن ما يقوله القرآن في شأن الأمم هو أساطيرُ الأولين اكتتبها محمد".
وكان النَّضْر يتردد على الحيرة، فَتَعَلَّم أحاديث (رستم) و(اسفنديار) من أبطال فارس؛ فكان يحدث قريشاً بذلك ويقول لهم: =أنا والله أحسن حديثاً من محمد؛ فَهَلُمَّ أحدثكم أحسنَ من حديثه+.
ثم يحدثهم بأخبار الفرس؛ فكان ما في بعضها من التطويل على عادة أهل الأخبار من الفرس يُمَوَّه به عليهم بأنه أَشْبَعُ للسامع، فجاءت هذه السورة على أسلوب استيعاب القصة؛ تحدياً لهم بالمعارضة.
على أنها مع ذلك قد طوت كثيراً من القصة من كل ما ليس له كبير أثر في العبرة.
ولذلك ترى في خلال السورة [وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ] مرتين [كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ] فتلك عبر من أجزاء القصة.
وما تخلل ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين كقوله [عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ] وقوله [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ]. ١٢/١٩٨_٢٠٠


الصفحة التالية
Icon