وإذْ قد كان سَوْقُ تلك القصةِ إنما هو للعبرة والموعظة؛ ليعلم المشركون سُنَّةَ اللهِ في بعثة الرسل ومعاملته الأممَ المكذبةَ لرسلها، وتحدِّي المشركين بعلم النبي" بذلك، وهو أميٌّ لم يقرأْ ولم يكتبْ، ولا خالط أهل الكتاب _ ذَيَّلَ اللهُ ذلك بتنبيه المشركين إليه، وتحذيرَهم من سوء عاقبة الشرك، وأنذرهم إنذاراً بليغاً.
وفَنَّد قولَهم: [لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى] من الخوارق كقلب العصا حيةً، ثم انتقاضَهم في قولهم؛ إذ كذبوا موسى _أيضاً_.
وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة.
وأبطلَ معاذيرَهم، ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله.
وساقَ لهم أدلة على وحدانية الله _تعالى_ وفيها كلُّها نعمٌ عليهم، وذكَّرهم بما سيحُلُّ بهم يوم الجزاء.
وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونَعْمتهم ومالهم بأن ذلك متاعُ الدنيا، وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خيرٌ وأبقى.
وأَعْقَبَهُ بضربِ المثل لهم بحال قارونَ في قوم موسى، وتخلَّص من ذلك إلى التذكيرِ بأن أمثال أولئك لا يَحْظَوْن بنعيم الآخرة، وأن العاقبةَ للمتقين.
وتخلل ذلك إيماءٌ إلى اقتراب مهاجرةِ المسلمين إلى المدينة، وإيماء إلى أن الله مُظْهِرُهم على المشركين بقوله:[وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ] الآية.
وخَتَم الكلامَ بتسلية الرسول"وتثبيته وَوَعْدِه بأنه يجعل بلَدَه في قبضته، ويمكِّنَه من نواصي الضالين.
وَيَقْرُبُ عندي أن يكون المسلمون ودُّوا أن تُفَصَّل لهم قصةُ رسالةَِ موسى _عليه السلام_ فكان المقصودُ انتفاعَهم بما في تفاصيلها من معرفةٍ نافعة لهم؛ تنظيراً لحالهم وحال أعدائهم؛ فالمقصودُ ابتداءاً هُمُ المسلمون ولذلك قال _تعالى_ في أولها:[نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ]أي للمؤمنين. ٢٠/٦٢_٦٣