وكان الشريف من العرب إذا قتل، يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف
القبيلة التي قتله أحدها، وربما لم يرضوا إلا بعددٍ يقتلونهم، فقتل بعض غِني
شأسَ بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جَذِيمة، فقالوا له - أو بعض من
نُدب عنهم -: سل في قتل شأس. فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأساً! أو تملؤون ردائي من نجوم السماء!
أو تدفعون إلي غنياً بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضاً!.
وقَتَل كليب واثل: فاقتتلوا دهراً طويلاً، واعتزلهم بعضهم، فأصابوا ابناً
له يقال له: بُجَيْر، فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي، فبجير بكليب - وهو أعز العرب -، وكفوا عن الحرب فقالوا: بحير بشسع (نعل) كليب، فقاتلهم وكان معتزلاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون
به في الجاهلية - هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا - وحَكَمَ اللَّه تبارك
وتعالى بالعدل، فسوّى في الحكم بين عباده، الشريف منهم والوضيع: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠).


الصفحة التالية
Icon