حرّم مكة ولم يُحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يومن بالله واليوم الآخر أن
يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجراً، فإن ارتخصَ أحدٌ فقال: أحِلَّت لرسول الله - ﷺ - فإن الله أحلها لي، ولم يحلها لله للناس، وإنَّما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هدا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقلُه: فمن قتَلَ بعدَه قتيلاً فأهلُه بين خِيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخدوا العقل" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الآية، إنها في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان
وغيره، ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع. ثم أدبها أن يُقتل الحر بالحر إذا
قتلَه، والأنثى بالأنثى إذا قتلتها، ولا يُقتل غيرُ قاتلها إبطالاً؛ لأن يجاوز القاتل إلى غيره، إذا كان المقتول أفضل من القاتل، - كما وصفت - ليس أنه لا يُقتل ذكر بالأنثى، إذا كانا حُرين مسلمين، ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة، إنما يترك قتْله من جهة غيرها، دهاذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على ألا يكون يُقتل اثنان بواحد، إذا كانا قاتِلَين.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهي عامة في أن الله - عزّ ذكره - أوجب
القصاص بها إذا تكافأ دمان، وإنما يتكافآن بالحرية والإسلام، وعلى كل ما
وصفت من عموم الآية وخصوص بما دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى،: فأيما رجل قتل قتيلاً فَوَلي المقتول بالخيار.
إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ منه الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية.


الصفحة التالية
Icon