يقول: في قول اللَّه - عز وجل: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) الآية، يعني: مما كنتم تأكلون، فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث، وتحل أشياء على أنها من الطيبات، فأحِلَّت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثني منها، وحرمت عليهم الخبائث عندهم، قال اللَّه - عز وجل: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ).
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل ما دل على ما وصفتَ؟
قيل لا يجوز في تفسير الآي إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها، والطيبات كذلك، إما في لسانها، وإما في خبر يُلزمُها، ولو ذهب ذاهب إلى أن يقول: كل ما حرم، حرام بعينه، وما لم يُنص بتحريم فهو حلال، أحل أكل العَذِرَة والدود وشرب البول؛ لأن هذا لم ينص فيكون محرماً، ولكنه داخل في معنى الخبائث التي حرموا، فحرمت عليهم بتحريمهم، وكان هذا في شر من حال الميتة والدم المحرمين؛ لأنهما نجسان، ينجسان ما ماسا، وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة، فالبول والعذرة اللذان لم يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما، أن يؤكلا أو يشربا، وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية، مع أن ثَمَّ دلالة بسنة رسول الله - ﷺ - فلما أمر رسول الله - ﷺ - بقتل الغراب والحِدَأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، دلَّ هذا على تحريم ممل ما أمر بفتله في الإحرام، ولا كان هذا من الطائر والدواب كما وصفت، دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالاً، وإلى ما لم تكن العرب تأكله، فيكون حراماً، فلم تكن العرب تأكل كلباً ولا ذئباً ولا أسداً ولا نمراً، وتأكل الضبع، فالضبع حلال، ويجزيها المحرم بخبر عن النبي - ﷺ - أنها صيد وتؤكل، ولم تكن تأكل الفأرة ولا العقارب ولا الحيات ولا الحِدَأ ولا الغربان، فجاءت السنة موافقة للقرآن