الرسالة: باب (العلم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه جل ثناؤه:
(مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)
إلى: (قَدِيرٌ) الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتملت الآيات: أن يكون الجهاد كله، والنفير
خاصة منه، على كل مطيق له، لا يسع أحداً منهم التخلف عنه، كما كانت الصلوات والحج والزكاة، فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها، من أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه، لأن عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره.
واحتملت: أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلوات، وذلك أن
يكون قُصِدَ بالفرض فيها فصد الكفاية، فيكون من قام بالكفاية في جهاد مَن جُوهِد من المشركين مُدركِاً تأدية الفرض، ونافلة الفضل، ومُخرجِاً من تخلَّف من الإثم.
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية، خرج من ئخلف عنه من المأثم.
ولو ضيَّعُوه معاً خِفْتُ أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا
أشك - إن شاء الله - لقوله: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الآية.
قال: فما معناها؟
قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم.
ونفير بعضهم - إذا كانت في نفيره كفاية - يخرج من تخلف من المأثم
- إن شاء اللَّه -؛ لأنه إذا نفر بعضهم وفع عليهم اسم (النفير).