وتبليغ القرآن الكريم إلى الناس من أوجب الواجبات على المسلمين، كما قال تعالى: ﴿ قل أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ… ﴾ ( الأنعام: ١٩ ).
ونحن موقنون بأن المسلمين الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية قد قاموا بواجباتهم حق القيام في كلّ رقعة دخلوا إليها بهذا الدين الحنيف، ولا يتصور أحد أنهم أدّوا هذا الواجب باللغة العربيّة، حتى الذين تعلّموا اللغة العربيّة فيما بعد وأصبحت لغتهم الرسمية اللغة العربية؛ لأن ذلك لم يحدث في يوم وليلة بل احتاج من الزمان ما يكفي لهذا التحويل اللغوي الذي يمس حياة النّاس من جميع نواحيها، وفي فترة الانتقال هذه كيف كان النّاس يؤدون شعائر دينهم ويفهمون تعاليم القرآن؟ أظلوا يجهلون ذلك حتى تعلموا اللغة العربية أم وجدوا من يوصلها إليهم بطريقة أو بأخرى؟ لا ريب أنهم في هذه الفترة اضطروا إلى وسيلة يمكن بها فهم القرآن الكريم وتفهيمه ألا وهي الترجمة – ترجمة تعاليم الإسلام إلى لغاتهم.
وقد كان السّلف يجيزون ذلك: كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في ترجمة قوله تعالى: ﴿ بحجارة من سجيل ﴾ ( الفيل: ٤ ). قال: هي بالفارسية: سنك وكل حجر وطين(١).
وجاء أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما في آية ﴿ يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ﴾ ( البقرة: ٩٦ ) – قال: هو كقول الأعاجم (( زه هزار سال )) أي عش ألف سنة (٢).
وكما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
﴿ طه ﴾ قال: يا رجل بالنبطيّة (٣).
(٢) أخرجه بن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة ١٠/٤٧٣.
(٣) أخرجه الطبري ١٦/ ١٠٢ عن ابن عباس في تفسيره، وابن أبي شيبة في مصنفه ١٠/٤٧٢، عن عكرمة.