(( إن الفكر السائد لدى المسلمين حول الجن أنهم صنف خاص من غير البشر لا تدركهم حواس الإنسان، وهذا فهم خاطئ مخالف لما جاء في كلام الله، حيث قال الله تعالى جوابا لكفار مكة: ﴿ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ﴾ ( الإسراء: ٩٥) فالمرسل إلى البشر بشر، كما أن المرسل إلى الملائكة ملائكة مثلهم، فكيف يرسل الله إلى البشر والجن بشراً لو كان الجن ليسوا من البشر؟! انتهى ملخصاً(١).
وفي الحقيقة هذا استدلال باطل، والآية الكريمة لم تنكر وجود مخلوقٍ مثل الجنّ يمشون مطمئنين في الأرض، وإنما أنكرت وجود الملائكة بهذه الأوصاف، ثم إن الملائكة خَلْقٌ ليس فيهم أيّ شبه من البشر، وأما الجن ففيهم شبه كبير من البشر من حيث إن لهم عقولاً وشهوة، وإنهم يأكلون ويشربون وينامون وينكحون مثل البشر، خلافاً للملائكة لأنهم لا يتصفون بجميع هذه الأوصاف.
ويقول (( سي. ين )) عن الأحاديث التي وردت في اللقاءات التي تمت لرسول الله - ﷺ - مع وفد الجنّ: "كانت تلك اللقاءات كلها خارج مكة المكرمة في مكان بعيد عن تجمع النّاس، ولم يكن اللقاء داخل مكة، وهذا يدلّ على أنهم كانوا من البشر وجنساً منهم؛ لا كما يعتقد المعتقدون بأنهم قوم من جنس آخر لا ندركهم بحواسنا، بل كانوا يخافون من بطش قريش فخرج - ﷺ - إليهم، ولو كانت قريش لا تبصرهم ولا تحس بهم لسهل اللقاء معهم بداخل مكة" (٢).
وهذه التعليلات والشبهات أيضاً باطلة: لأن القرآن الكريم ذكر أن الجنّ تتفق مع الإنس في تحمل تكاليف الشريعة، ولكنهم مختلفون ومتباينون معهم في أمور أخرى كالمأكل والمشرب والمسكن؛ الأمر الذي يصعّب على الجن الاجتماع في أماكن تجمع الإنس.

(١) ترجمة القرآن الكريم: سي. ين مولوي – سورة الأحقاف الآية (٢٩).
(٢) ترجمة القرآن الكريم: سي. ين مولوي – سورة الأحقاف الآية (٢٩).


الصفحة التالية
Icon