ومنذ أن أشرق نور هذا الكتاب المعجز في أرجاء مكة حاربه الأعداء بشتى الوسائل، لكنّه بإعجازه الإلهي بلغ صداه في الآفاق حيث وصل نوره إلى كلّ بيت مدر ووبر، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، ولقد حرص المسلمون الفاتحون من أسلافنا العرب على تعليم الأعاجم اللغة العربية حرصاً فائقاً حتى غدا كثير من هؤلاء العجم مبرّزين في اللغة العربية والتأليف فيها، إلى أن دارت عجلة الزمان فضعفت الهمم وانتكست الأمور وزاد عدد المسلمين الأعاجم فأصبحوا يؤلفون الغالبية العظمى من المسلمين في بعدهم عن اللغة العربيّة.
وكان الأعداء لهم بالمرصاد فوجدوا الميدان خصباً لبث أفكارهم وسمومهم عن طريق الترجمات، فصدرت أول ترجمة قرآنية لهم في اللغة اللاتينيّة عام ١٥٤٢م وتلتها ترجمة فرنسية وألمانية عام ١٦٤٧م وصدرت الترجمة الهولندية عام ١٦٥٧م وتوالت الترجمات واحدة تلو الأخرى في اللغات الأوربية ثم انتقلت فيما بعد إلى اللغات الإفريقية والآسيوية حتى بلغت تلك الترجمات الكاملة والجزئية لمعاني القرآن الكريم من أعداء الإسلام إلى عام ١٩٨٠م ٦٧١ ترجمة (١).
ومن هنا استيقظ علماء المسلمين وأثاروا – ولو متأخرين – قضية ترجمة معاني القرآن الكريم واشتدت المعركة العنيفة بين المجيزين والمانعين زمناً طويلا، وتدخل كبار العلماء من شتى أنحاء المعمورة حتى وضعت الحرب أوزارها مسفرة عن جواز ترجمة معاني القرآن الكريم ليتسنى لنا الوقوف أمام التيارات الجارفة من قبل المستشرقين والصليبيين والقاديانيين، وأهل الأهواء الذين جعلوا ترجمة معاني القرآن وسيلة هدم وسلاح دمار لعقائد المسلمين وقيمهم وأحكام دينهم.
فكان للعلماء المليباريين بجنوب شبه القارة الهندية نصيب كبير وحظ وافر من المشاركة في ركب الترجمات، وقد نفع الله بها فئاماً من البشرية من المسلمين وغير المسلمين.