ولا يُعترض بأن هذه بديهة! وتحصيل حاصل، إذ لا يمكن عرض الألفاظ دون حروفها؛ لأن التصريح بمتابعة الحروف دليلٌ على شدة الاعتناء بها، وفيه ردٌ على زاعمٍ التكلف في حق من يخوض غمار علم الصوتيات، على أنه قد يُعْنى بالحرف غير ذلك، وهو اللفظ فيدخل ما ذكر ضمناً.
... ومما جاء دالاً على أن لفظة (يعرض) تتضمن سبر الجوانب الداخلية قول النبي - ﷺ - :(لئن كنت أقصرت الخطبة، فقد أعرضت المسألة) (١). قال ابن منظور: "أي جئت بالمسألة واسعةً كبيرةً" (٢)، وذاك بما تضمنته جوانبها الداخلية من معنى، ولذا يقال فيمن يطيل العبارات أي الألفاظ الخارجية: أطلت الخطبة، ولا يقال أعرضت....

(١) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ٢/٩٨، مرجع سابق: عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - ﷺ - فقال: يا رسول الله! علمني عملاً يدخلني الجنة. قال: (لئن كنت أقصرت الخطبة، فقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة) قال: أو ليستا بواحدة ؟ قال: (لا ‍عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعطي في ثمنها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم القاطع، فإن لم تطق ذاك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، ومر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من خير).
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على ابن حبان: إسناده صحيح، وهو في مستدرك الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص(لمستدرك الحاكم): صحيح.
(٢) لسان العرب ٩/١٣٧، مرجع سابق، وفي النهاية ٣/ ٣٢٣: "ومنه الحديث (فإذا عُرْضُ وجْهِه مُنْسَح) أي جانِبُه".


الصفحة التالية
Icon