ومن أحسن أدلة التوقيفية في أداء القرآن قوله - ﷺ - :(ما أنا بقارئ)؛ إذ كررها ثلاثاً وبين أبو شامة –رحمه الله تعالى- بأن قوله أولاً (ما أنا بقارئ) دالٌ على الامتناع، وثانياً على الإخبار بالنفي المحض، وثالثاً على الاستفهام، "ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: (كيف أقرأ)، وفي رواية عبيد بن عمير عن ابن إسحاق: (ماذا اقرأ) وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي: (كيف أقرأ)، وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية" (١).
المطلب الخامس: المقتضى المنهجي لدلالات حديث المعارضة، ومفردات تلقي النبي - ﷺ - ألفاظ القرآن الكريم:
إذا كان النبي - ﷺ - قد كُفي مؤنة الحفظ والمراجعة لتكفل الله - سبحانه وتعالى - له بذلك، على ما سبق في حديث المعالجة (٢)، فإن خطواته البشرية لتثبيت الحفظ، ودوام المراجعة، إن هي إلا إشاراتٌ واضحةٌ لتحويل مقتضاها إلى قواعد منهجية في الإحاطة بالدرس القرآني حفظاً، وتلاوةً، ومراجعةً، واستدعاءً، وبيان معنى، وعملاً، وصنيع البحث هنا مجرد الإشارة العابرة إلى بعض ذلك بغية الإثارة، والاستفزاز البحثي لمن يعتريه طيف التوهم في المفردات الشرعية الأساسية، أو يقذف الشيطان في قلبه وسواس الشك، لا التحليل والإطناب؛ إذ ليس مجال البحث... وقد تقدم في المطالب الأربعة السابقة بعض المقتضيات المنهجية لدلالات الحديث، والأمر الجامع لها: أن يكون لحفظة القرآن معارضة سنوية للقرآن الكريم على مشايخهم، أو معارضة ثانية بعد ختم القرآن حفظاً على الأقل، وتزداد عدد مرات المعارضة بحسب حالة الطالب... وتكون للمسلمين عموماً عرضة للقرآن الكريم نظراً أو غيباً عن ظهر قلب على شيخٍ متقن، وأفضل أوقات ذلك في رمضان... مع ظهور التعبد والتبتل عند قراءة القرآن في العرضة... خاصةً الإنفاق.
(٢) انظر: المبحث السادس من هذا الفصل.