وارتبط مفهوم الحفظ بحراسة المحفوظ من أن يعتريه خللٌ، أو يلج إليه دخلٌ صغر أو كبر؛ ولذا بوب البخاري –رحمه الله تعالى-: "باب حفظ اللسان" (١)، وأورد أبو داود –رحمه الله تعالى– مجموعةُ أحاديث في ذلك، ومن حيث لفظ القرآن، فإن حفظه بهذا المعنى(الحراسة) يعنى التثبت من دقائق اللفظ، ومن ذلك ما رواه عروة بن الزبير –رحمه الله تعالى– في حديث قبض العلم: فقالت –عنى عائشة– يا ابن أختي! انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه، فجئته، فسألته، فحدثني به، كنحو ما حدثني، فأتيت عائشة، فأخبرتها، فعجبت، فقالت: (والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو) (٢).
٣ - شموله للكلي والتفصيلي من حيث اللفظ: ففي قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ "الانفطار /١٠-١٢"، فضمّن ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ معنى يكتبون؛إذ تلك مهمتهم الأساسية (٣)، ومُسَلَّمٌ شمول ذلك للتفصيلي والإجمالي من الاسم الموصول الدال على العموم في قوله ﴿ مَاا ﴾، واستقرار هذا العموم مقتضٍ أن يشمل هذا الحفظ أصلَ اللفظ وطريقة أدائه، وما خرج عن هذا فالمفتاح في المُخْرِج له، ومن ثم فادعاء خروج الأداء عن الحفظ، أو عن تبليغ القرآن ادعاءٌ يفتقر إلى الدليل.
(٢) صحيح البخاري ٦/٢٦٦٥، مرجع سابق.
(٣) لمعنى في غاية الأهمية هو أنهم يعلمون ما يكتبونه من مثقال الذر من خيرٍ أو شرٍ، فليست كتابتهم كتابةً عمياء يمكن معها خداعهم.