٩ – بقاؤه - ﷺ - أمياً (١) :
(١) وما ذهب إليه البعض من تعلمه الكتابة بعد نبوته فشذوذٌ قد نُهِيَ أولوا النهى من طلبة العلم عن تتبعه، على أن كثيراً من الشذوذ لا يُروى على وجهه، بل ينقل على الهوى العقلي أو العاطفي لناقله. ويوضح ذلك من حيث خصوص موضوعنا ما قاله ابن كثير في تفسيره ٣/٤، مرجع سابق: "وهكذا كان رسول الله - ﷺ - دائماً، إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة، ولا يخط سطراً، ولا حرفاً بيده بل كان له كُتَّابٌ يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم، ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه - عليه السلام - كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخارى: "ثم أخذ فكتب"، وهذه محمولة على الرواية الأخرى: "ثم أمر فكتب"، ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي، وتبرءوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالاً، وخطبوا به في محافلهم، وإنما أراد الرجل -أعني الباجي- فيما ظهر عنه أنه كتب ذلك على وجه المعجزة، لا أنه كان يُحْسِن الكتابة، كما قال - ﷺ - إخباراً عن الدجال (مكتوب بين عينه كافر)، وفي رواية (ك ف ر يقرؤها كل مؤمن)، وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت - ﷺ - حتى تعلم الكتابة فضعيفٌ لا أصل له، قال الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو } "العنكبوت/٤٨" أي تقرأ ﴿ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ﴾ لتأكيد النفي ﴿ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ تأكيد أيضاً، وخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى ﴿ ولا طائر يطير بجناحيه ﴾ "الأنعام/٣٨"، وقوله تعالى ﴿ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ أي لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس، فيقول إنما تعلم هذا من كتب قبله، مأثورة عن الأنبياء، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ "الفرقان/٥" قال الله - سبحانه وتعالى - ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ "الفرقان/٦" الآية، وقال هاهنا: ﴿ بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ "العنكبوت/٤٩ " أي هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمراً ونهياً وخبراً، يحفظه العلماء، يسره الله عليهم حفظاً وتلاوة وتفسيراً، كما قال - عز وجل - ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ "القمر /١٧"، وقال رسول الله - ﷺ - :(ما من نبيٍ إلا وقد أُعْطيَ ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً... )". والحديث الأخير رواه البخاري ٦/١٦٠٧، مرجع سابق.