والرصد: اسم جمعٍ، ونصب على أنه مفعولٌ به للفعل ﴿ يَسْلُكُ ﴾، ويتعلق ﴿ لِيَعْلَمَ ﴾ بقوله ﴿ يَسْلُكُ ﴾ أي يفعل الله - سبحانه وتعالى - ذلك ليبلغ الغيب إلى الرسول، كما أرسل إليه لا يخالطه شيء مما يُلْبِسُ عليه الوحي، ويعلم الله - سبحانه وتعالى - أن الرسل أبلغوا ما أوحي إليهم، كما بعثه دون تغيير.
وفُهم من قوله ﴿ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ﴾ أن الغيب المتُحدَث عنه هو الغيب المتعلق بالشريعة وأصولها من البعث والجزاء، ورأس ذلك الوحي القرآني، وقوله - عز وجل - ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ الواو واو الحال فالجملة حاليةٌ، أو أن الجملة اعتراضية؛ لأن مضمونها تذييلٌ لجملة ﴿ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ﴾ أي أحاط بجميع ما لدى الرسل من تبليغ وغيره، وأحاط بكل شيءٍ مما عدا ذلك، فقوله - عز وجل - ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ تعميمٌ بعد تخصيص ما قبله بعلمه، وتبليغهم ما أُرسِل إليهم، وقوله ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ تعميمٌ أشمل بعد تعميم. وعبّر عن العلم بالإحصاء على طريقة الاستعارة تنبيهاً بعلم الأشياء بمعرفة الأعداد، وذلك دالٌ على دقة وشمول العلم الإلهي (١).
وهذا الحفظ يشمل الرسول الملَكي، والرسول البشري لعموم ﴿ مِنْ رَسُولٍ ﴾، والضمير في ﴿ لِيَعْلَمَ ﴾ صالحٌ لمعنىً آخر: هو العودة على الرسل، أي ليعلم الرسل، والمراد هنا زيادة اطمئنانهم بأن ما أمروا بتبليغه هو ذاته ما بلَّغوه لم يستطع أحدٌ أن يزيد فيه أو ينقص للحراسة الغيبية من العالم الغيبي المعادي، كما يصلح الضمير لمعنىً ثالث هو العودة على المشركين، والتقدير: ليعلم أهل الشرك أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم... (٢).

(١) انظر: التحرير والتنوير ٢٩/١٥٤، مرجع سابق.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير ٤/ ٣٦٧، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon