ولذا كان قسم الله - سبحانه وتعالى - في سورة التكوير بقوله ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ(١٥) الْجَوَارِي الْكُنَّسِ... ﴾ "التكوير/١٥... " لبيان صدق الوحي القرآني، وتمت هذه الغاية صدقاً وعدلاً بالثناء على طرفي الاتصال، والنقل القرآني بين السماء والأرض ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ... ﴾ "التكوير١٩-... "، فإجراء أوصاف الثناء على الرسول للتنويه به أيضاً، وللكناية على أن ما نزل به صدق؛ لأن كمال القائل يدل على صدق القول (١)، وانظر كيف زاد في ذكر صفات جبريل - عليه السلام - إذ هو خبر عما عنده سبحانه وهو غيب عنهم، فكثرة صفاته أدعى لطمأنتهم، ثم أخبرهم عمن عندهم بما يوفونه فلا يحتاج إلى مزيد كلام... ومما جاء في حواشي الكشاف تعليقاً على تأويل آيات التكوير: "إنما ذكر جبريل - عليه السلام - بتلك الصفات واقتصر على نفي الجنون عن النبي - ﷺ - لأن جبريل - عليه السلام - مجهول" (٢) أي عند البشر.
المبحث الثالث:
أمين الوحي في السماء لأهل السماء:
... في هذا المبحث تتضح المكانة الخاصة لجبريل - عليه السلام - من ربه - سبحانه وتعالى -، بعد أن اتضحت المكانة العامة له من خلال المبحث السابق، إذ هو أمين الوحي الإلهي مطلقاً، وأول ذلك أنه أمين الوحي في السماء لأهل السماء، وتلك من أسباب جدارته الفائقة لأمانة الوحي النازل لأهل الأرض.

(١) التحرير والتنوير ٣٠/١٧٥، مرجع سابق.
(٢) محمد عليان المزروقي الشافعي: حاشيته على الكشاف ٤/٦٩١، دار المعرفة - بيروت.


الصفحة التالية
Icon