وقد لا يكون الوحي أمراً إلهياً لأحد من المخلوقين، بل هو حديث بين الجبار جل جلاله وبين جبريل - عليه السلام -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: (لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب، فانظر إليها. فذهب، فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب، وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهب، فانظر إليها. فذهب، فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد. -قال- فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل اذهب، فانظر إليها. فذهب، فنظر إليها، ثم جاء. فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل اذهب، فانظر إليها. فذهب، فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب وعزتك، لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها) (١).
وقد أُريد من التفصيل السالف أن تُبَيَّن مكانة جبريل - عليه السلام - من الملك جل وعز، ويربط بين ذلك وبين قوله تعالى ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ "النجم/٥"، فيستبين جلالة تعليم لفظ القرآن، وأنه ليس مجرد لفظ يرمى من فم لفم، بل لو ادعى مدعٍ أن تلقي النبي - ﷺ - للفظ القرآن من جبريل - عليه السلام - اعتراه من التوقيف، ومنع الاجتهاد أكثر مما اعترى معناه لما بعد عن إصابة سهم فكره لعين الحقيقة، وذلك واضح من حيث أن عتاب الله - عز وجل - لنبيه في القرآن الكريم إنما هو لصواب في أمر غير ما ذهب إليه في فهم معنى معين، بخلاف اللفظ، فليس له فيه إلا ما لُقِّنَه، وقد حاول الاجتهاد في هيئة التلقي فمنع من ذلك (٢).
وما سبق من أدلة توصلنا إلى نتيجة على قدر جليل من الأهمية هي: أن جبريل - عليه السلام - هو الوسيط بين الله - سبحانه وتعالى - وأنبيائه، وهو المبحث التالي:

(١) صحيح ابن حبان ١٦/٤٠٦، مرجع سابق، والمستدرك ١/٧٩، مرجع سابق.
(٢) انظر: حديث المعالجة: الفصل الثالث –المبحث السادس.


الصفحة التالية
Icon