وأجيب بأن دلالة المفهوم إنما يعول عليه عند عدم المعارض وهو هنا موجود، إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفخر.
وجواب آخر أنه جاء لعموم النهي قليلا كما في الآية(١).
المبحث الثاني
(هذا)
لفظ "هذا" يرد مشارا به على كلام سابق لقصد تحقيقه، وقد يجيء بعد جملة حالية، ومنه قولك في التمثيل لمن يضطرب حاله قبل مشارفته لما هو بصدد أن يزايله: "هذا وما طار الذباب " أي هذا حالك ولم تقع في الشدائد بعد، فكيف بك وقد كلمتك شفارها؟
ويصحب الجمل التي بعده "إنّ" كثيراً لتكون القصة الثانية مؤكدة للجملة السابقة، كقوله تعالى: ﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: ٤٩]
أي: هذا نوع من الذكر وهو القرآن، لما قص ذكر أيوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل عليهم السلام أكد تلك الأخبار باسم الإشارة كما تقول لولدك: "أشير عليك بكيت وكيت" ثم تقول بعد ذلك: "هذا الذي عندي والأمر إليك فيما ترى".
وقد يحذف خبره كما في سياق هذه الآية: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ{٥٠﴾ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴿٥١﴾ } إلى قوله: ﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ{٥٥﴾ }
أي: هذا شرف وذكر جميل أو هذا متحقق، والجملة التي بعده ليست في موضع الحال، بل خروج من قصة إلى قصة(٢).
ثم ألا ترى أن كلمة "هذا" جاءت رائقة هنا حيث وقعت للفصل بين قصتين، ففي الآيات السابقة نجد أنه "لما أتم ذكر أهل الجنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار قال: ﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ وذلك من فصل الخطاب الذي هو ألطف موقعا من التخلص"(٣).
المبحث الثالث
(كاد)
(٢) التبيان في علم البيان ٦٣
(٣) المثل السائر ٢/٢٦٠