وهناك معنى ثالث ضعفه كثيراً ممن له معرفة بالصناعة الفقهية، وقد قيل: إنه منقول عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أن معنى قول الله جل وعلا: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: ١٩٧]، مع قول الله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: ١٩٦]، أنه ينبغي أن يكون الحج في أشهر الحج، وأما العمرة فلا تكون في أشهر محدودة، ولكن لا تكون في أشهر الحج، فكان بعضهم يرى أن من تمامها أن يؤتى بها في محرم، وبعضهم ييسر فيقول: الإتمام هو الانفكاك بين إحرامهما، فيحرم بالحج لوحده، ثم يهل بالعمرة من دويرة أهله لوحده، أو يسبق بالعمرة ثم يعود فيهل بالحج، المهم التفريق بينهما، وإن كان المشهور الذي ينسبونه إلى عمر أن تكون العمرة في غير أشهر الحج. وهذا يمكن أن يجاب عليه يجاب عنه بأن النبي - ﷺ - اعتمر في أشهر الحج، فقد ثبت أنه اعتمر أربع عمرات كلهن في ذي القعدة، وذو القعدة بالاتفاق من أشهر الحج. فهذا يرد هذا القول، وإن كان الذي يشكل فعل الشيخين أبي بكر وعمر في أنهما حجا بعد النبي - ﷺ - مفردين، وكذلك نقل عن عثمان أنه حج مفرداً، ولعل هذا يبين أن علماء الأمة عندما يختلفون لا بد من سبب ظاهر لاختلافهم، فلكل منهم وجهة، ولما حررنا المسألة وجدنا أن لكل منهم ذريعة في قوله وفعله، وهذا مبني على أن الاختلاف في أكثره رحمة، واحترام الرأي المقابل أمر مطلوب، قال الشاطبي في الموافقات: وواجب عند اختلاف الفهم إحسان الظن بأهل العلم. المقدم: هل يمكن أن يقال: إن الشطر الأول من هذه الآية يحمل على بقيتها: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: ١٩٦]، فيكون الإتمام هو الأصل، فإذا لم يستطع الإنسان الإتمام فإنه في حكم المحصر؟
الشيخ: هذا قول قوي، لكن أقول: إني لا أعلم أحداً قال ذلك.
معنى الإحصار عن الحج


الصفحة التالية
Icon