وقد يعترض معترضٌ على هذا الفن بأنَّه قد ورد عن النَّبي - ﷺ - ما يشبه النَّهي عن البحث في تتبُّع مشكلات القرآن، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - قال: "لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أنَّ لي به حمر النّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله - ﷺ - على بابٍ من أبوابه، فكرهنا أن نفرِّق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها [وهم يختصمون في القدر] حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله - ﷺ - مغضباً، حتّى احمرَّ وجهه [فكأنَّما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب] يرميهم بالتراب، ويقول: (مهلاً يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، اختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إنَّ القرآن لم ينزل يكذِّب بعضه بعضاً، إنَّما نزل يصدِّق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالم)، فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطتُ نفسي بمجلس تخلَّفت فيه عن رسول الله - ﷺ - ما غبطتُ نفسي بذلك المجلس
وتخلُّفي" (١).
والجواب: المنهي عنه هو التنازع، وعدم الجمع بين الآيات، وضرب بعضها ببعض. أمَّا الجمع بينها، وسؤال العالِمين بها؛ فهو مطلوب في الحديث، كما في قوله - ﷺ - في هذا الحديث: (إنَّما نزل يصدِّق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه).