ورجَّح هذا التوجيه الطاهر بن عاشور؛ وذلك لأنَّهم لما وجدوها في حالة الإثبات مفيدة معنى النَّفي؛ جعلوا نفيها بالعكس، كما فعلوا في (لو) (ولولا)، ويشهد لذلك مواضع استعمال نفيها، فإنَّك تجد جميعها بمعنى مقاربة النَّفي لا نفي المقاربة، ولعلَّ ذلك من قبيل القلب المطرّد، فيكون قولهم: ما كاد يفعل، ولم يكد يفعل، بمعنى كاد ما يفعل، ولا يبعد أنْ يكون هذا الاستعمال من بقايا لغة قديمة من العربية تجعل حرف النَّفي الذي حقَّه التَّأخير مقدّماً، ولعلَّ هذا الذي أشار إليه المعري بقوله:
.................................................. جرت في لساني جرهم وثمود
ومنه قوله تعالى [الزخرف: ٥٢] (١).
[٣] وذهب قوم منهم أبو الفتح بن جني، وعبد القاهر، وابن مالك، في "التَّسهيل" إلى أنَّ أصل (كاد) أنْ يكون نفيُّها لنفي الفعل بالأوْلَى كما قال الجمهور، إلاَّ أنَّها قد يستعمل نفيّها للدَّلالة على وقوع الفعل بعد بطء وجهد، وبعد أنْ كان بعيدا في الظَّنِّ أنْ يقع. قال اللُّغويون: "كدت أفعل"، معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، و"ما كدت أفعل" معناه : فعلت بعد إبطاء (٢).
[٤] وذهب قوم إلى أنَّ (كاد) إنْ نفيّت بصيغة المضارع فهي لنفي المقاربة، وإنْ نفيّت بصيغة الماضي فهي للإثبات، وشبهته أنْ جاءت كذلك في الآيتين
[النور: ٤٠]، [البقرة: ٧١]، وأنَّ نفي الفعل الماضي لا يستلزم الاستمرار إلى زمن الحال، بخلاف نفي المضارع (٣).
النوع الثالث: استغراب الإعراب:
ومن أمثلته قوله تعالى: (٤) [طه: ٦٣]، ففيها أربع قراءات:
(٢) التحرير والتنوير، ١/٣٢٠، تفسير القرطبي، ١١/١٦٦، فتح القدير، ٣/١٤٤، روح المعاني، ١/٢٩٢.
(٣) التحرير والتنوير، ١/٣٢٠.
(٤) لابن تيمية رسالة مستقلة في مسألة، وهي ضمن مجموع فتاواه، ١٥/٢٤٨.