فَائِدَةٌ (١)
هل في الجنِ رسلٌ أم نُذُرٌ ؟
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سورة الأحقاف (٧/٢٨٥) عند قول تعالى :" وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ " [ الأحقاف : ٢٩ ] :
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِنّ نُذُر وَلَيْسَ فِيهِمْ رُسُل وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِنّ لَمْ يَبْعَث اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ رَسُولًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى " [ يوسف : ١٠٩ ]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ" وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق " [ الفرقان : ٢٠ ]، وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّته النُّبُوَّة وَالْكِتَاب " [ العنكبوت : ٢٧ ]، فَكُلّ نَبِيّ بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى بَعْد إِبْرَاهِيم فَمِنْ ذُرِّيَّته وَسُلَالَته فَأَمَّا قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَنْعَام " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ " [ الأنعام : ١٣٠] ؛ فَالْمُرَاد مِنْ مَجْمُوع الْجِنْسَيْنِ فَيَصْدُق عَلَى أَحَدهمَا وَهُوَ الْإِنْس كَقَوْلِهِ " يَخْرُج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان " [ الرحمن : ٢٢ ] أَيْ أَحَدهمَا.
وهو قول أبي حنيفة، وحكاه سفيان الثوري عن الليث بن أبي سليم، وهو رواية عن مجاهد، وبه قال الحسن البصري.
واستدلوا بقوله تعالى :" يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ " [ الأحقاف : ٣١ ].
قال ابن القيم في طريق الهجرتين ( ص٤١٨ ) : واحتج هؤلاء بهذه الآية فجعل غاية ثوابهم إجارتهم من العذاب الأليم.
القَولُ الثَّانِي :
أنهم يثابون على الطاعة بدخول الجنة على خلاف في حالهم فيها وهو قول ابن عباس والضحاك وعمر بن عبدالعزيز وإليه ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم ورجحه القرطبي وهو قول أكثر المفسرين.
ولكن أصحاب القول الثاني اختلفوا في كيفية الثواب فقد ذهب الأكثرون منهم إلى أنهم في الجنة يصيبون من نعيمها. وقال بعضهم أنهم يكونون في ربض الجنة. ومنهم من قال أنهم على الأعراف بين الجنة والنار.
وقد استدلوا بأدلة فمن ذلك :
قوله تعالى :" وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " [ الأنعام : ١٣٢ ].
وقوله تعالى :" فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ " [ الرحمن : ٥٦ ].
قال الشوكاني في فتح القدير (٥/١٤١) : وفي هذه الآية بل في كثير من آيات هذه السورة دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه وعملوا بفرائضه وانتهوا عن مناهيه. ا. هـ.
القَولُ الثَّالِثُ :
التوقف في المسألة.
والرجح من هذه الأقوال - والله أعلم - ما ذهب إليه الجمهور.
قال الشيخ الشنقيطي في " الأضواء " (٧/٤٠٧) بعد أن قرر هذه المسألة من ناحية أصولية كما هي عادة هذا الإمام :
وَهَذَا الْقَوْل يَرْجِع إِلَى قَوْل مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، لِأَنَّ الْأَعْرَاف لَيْسَ دَار قَرَار، وَمَآل أَهْلهَا إِلَى الْجَنَّة كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَاف مَخْصُوص بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا وِلْدَان الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْن الْفَرَّاء الْحَنْبَلِيّ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ : لَا يُخْتَلَف فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور بَيْن النَّاس، وَهُوَ الَّذِي نَقْطَع بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. ا. هـ بتصرف.
لقد ذكر الحافظُ ابنُ كثيرٍ مسألتين :
المَسْأَلَةُ الأُولَى : حُكْمُ أَطْفَالِ المُسْلِمِينَ :
قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٦/٢٠٧) : أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا. ا. هـ.
ولن أطيل في هذه المسألة لأن الأدلة فيها واضحة والله أعلم.
المَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ : حُكْمُ أَطْفَالِ المُشْرِكِين :
قضية أطفال المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ والتكليف من المسائل التي تكلم فيها العلماء سلفا وخلفا واختلفت فيها الآراء وسأذكر - بحول الله وقوته - الأقوال مع ذكر أدلة كل قول بحسب القدرة :
القَولُ الأَوَّلُ :
إن أطفال المشركين في الجنة.
وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري فقد بوب البخاري في كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين.
قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله - :" نسمة المؤمن " تعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال : هي في جوف طير خضر، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير فتدخل في عموم الحديث الآخر بهذا الاعتبار فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة من كثير منهم فلهم نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، والله أعلم. ا. هـ.
الأمرُ الثَّالِث :
الإسناد العزيز العظيم :
لقد روى الإمام أحمد عن الإمام الشافعي أربعة عشر حديثا، منها عن الشافعي فقط، ومنها عن الشافعي عن مالك، وهي مرتبة على حسب ترتيب الأجزاء :
١ - روى الإمام أحمد في مسنده (١/٢٠٨) قال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ -، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولًا.
٢ - روى الإمام أحمد في مسنده (١/٤٦٦) قال :
ثم قال بعد ذلك : وَزَعَمَ بَعْض الشُّرَّاح أَنَّ رِوَايَة مُسْلِم بِذِكْرِ حَبِيبَة تُؤْذِن بِانْقِطَاعِ طَرِيق الْبُخَارِيّ، قُلْت : وَهُوَ كَلَام مَنْ لَمْ يَطَّلِع عَلَى طَرِيق شُعَيْب الَّتِي نَبَّهْت عَلَيْهَا، وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ اِبْن سَعِيد الْأَزْدِيُّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيث الْمُسَلْسَلَة بِأَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَة وَجُمْلَة مَا فِيهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث، وَجَمَعَ ذَلِكَ بَعْدَهُ الْحَافِظ عَبْد الْقَادِر الرَّهَاوِيّ، ثُمَّ الْحَافِظ يُوسُف بْن خَلِيل فَزَادَ عَلَيْهِ قَدْرهَا وَزَادَ وَاحِدًا خُمَاسِيًّا فَصَارَتْ تِسْعَة أَحَادِيث وَأَصَحّهَا حَدِيث الْبَاب، ثُمَّ حَدِيث عُمَر فِي الْعِمَالَة وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَحْكَام. ا. هـ.
ومع فائدة اخرى قادمة بحول الله وقوته. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
الفائدة الأولى
http://saaid.net/Doat/Zugail/١٠٧.htm
الفائدة الثانية
http://saaid.net/Doat/Zugail/١٠٧-١.htm
الفائدة الثالثة
http://saaid.net/Doat/Zugail/١٠٧-٢.htm
الفائدة الرابعة
http://saaid.net/Doat/Zugail/١٠٧-٣.htm
رابط الموضوع
http://alsaha.fares.net/sahat؟١٤@١٥٤.rDl٨bcjh٨sB^٠@.ef٢a٢ed
عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com


Icon