قال ابن عباس: نزلت في المنافقين، يقول: مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارًا في ليلة مظلمة في مفازة، فاستدفأ ورأى ما حوله، فاتقى مما يخاف، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فبقي في ظلمة خائفًا متحيرًا، فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإِيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم، وناكحوا المؤمنين، ووارثوهم، وقاسموهم الغنائم، فلذلك نورهم، فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف.
وقوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾، أي: هم صم عن الحق لا يقبلونه، بكم خرس عن الحق لا يقولونه، عمي لا بصائر لهم، فهم لا يرجعون عن الضلالة إلى الحق.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لصنف آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون أخرى. والصيّب: المطر، من صاب يصوب، أي: نزل من السماء، أي: من السحاب، ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾. قال ابن عباس: الرعد: اسم ملك يسوق السحاب، والبرق: لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وعن أبي كثير قال: كنت عند أبي الخلد إذ جاء رسول ابن عباس بكتاب... إليه، فكتب إليه: كثيرًا تسألني عن الرعد، فالرعد: الريح، والبرق من الماء. قال السخاوي: إن سبب الرعد اضطراب أجرام السحاب
واصطكاكها إذا ساقها الريح من الارتعاد. قال بعض المفسرين: وإن أطلق الرعد على الملك أيضًا فهو مشترك بين الصوت المذكور والملك الثابت في الأحاديث.
وقوله تعالى: ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ مخافة الهلاك؛ فهذا المثل ضربه الله للقرآن وصنيع المنافقين معه، فإن من شأنهم