من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها، فلما كُشف عنه السِّنة، وهبّ من نومه رآها امرأة إلى جنبه، فقال - فيما يزعمون، والله أعلم -: لحمي ودمي وزوجتي. فسكن إليها، فلما زوّجه الله وجعل له سكنًا من نفسه، قال له قبيلاً: ﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾. انتهى.
وقوله تعالى: ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾، أي: واسعًا كثيرًا ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ كيف شئتما، ومتى شئتما، وأين شئتما، ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ أنفسكما بالمعصية.
قوله عز وجل: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) ﴾.
قال البغوي: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ استزل الشيطان آدم وحواء، أي: دعاهما إلى الزلة، وقوله تعالى: ﴿عَنْهَا﴾ أي: عن الجنة ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أي: من اللباس، والمنزل الرحب، والرزق الهني، والراحة، وعن أبيّ بن كعب مرفوعًا: «إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً
كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء».
وفي رواية: «لما ذاق آدم من الشجرة فرّ هاربًا، فتعلقت شجرة بشعره، فنودي: يا آدم أفرارًا مني؟ قال: بل حياء منك. قال: يا آدم اخرج من جواري، فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقًا، ثم