اختارهم موسى، فساروا معه، قال: فسمعوا كلاماً، فقالوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾، قال: فسمعوا صوتاً، فصعقوا، يقول: ماتوا. قال السدي: فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: ربي ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم، وقد أهلكت خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا. فأوحى الله إلى موسى: أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل، ثم إنه أحياهم فقاموا وعاشوا رجلاً رجلاً، ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون، فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
قوله عز وجل: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) ﴾.
لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم، شرع يذكرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم، فقال: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾، أي: السحاب،
في التيه يقيكم حر الشمس، ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾، قال ابن عباس: كان المن ينزل عليهم على الأشجار، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا. وقال الشعبي: عسلكم هذا جزء من سبعين جزءاً من المن. وفي الحديث الصحيح: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين». وقال ابن عباس: السلوى طائر يشبه السمّان. وقوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ واشكرون ولا تكفرون فخالفوا فحل بهم عقابه. ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾.
* * *