قال البغوي: (ويجري القصاص في الأطراف كما يجري في النفوس، إلا في شيء واحد وهو: أن الصحيح السوي يقتل بالمريض والزمن، وفي الأطراف لو قطع يدًا شلاء أو ناقصة لا تقطع بها الصحيحة الكاملة) انتهى.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن الرّبيّع بنت النضر عمته، كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله - ﷺ - فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله - ﷺ - بالقصاص فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الرّبيّع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال رسول - ﷺ -: «يا أنس كتاب الله القصاص». فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله - ﷺ -: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره».
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾. قال ابن عباس: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾، يعني: فمن ترك له من أخيه شيء، يعني: أخذ الدية بعد استحقاق الدم، وذلك العفو. ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾، يقول: فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية، ﴿وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾، يعني: من القاتل من غير ضرر ولا معك، يعني: المدافعة. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾، يعني: أخذ الدية في العمد. قال قتادة: رحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية، ولم تحل لأحد قبلهم، فكان أهل التوراة إنما
هو والقصاص وعفو ليس بينهم أرش، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل لهذه الأمة: القصاص، والعفو، والأرش.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، أي: من قتل بعد أخذ الدية فله عذاب أليم. قال ابن جرير: يتحتم قتله حتى لا يقبل العفو. وقال


الصفحة التالية
Icon