من أخلاط لما كان لنا معرفة بتأويلها، وهو تعبيرها، فعند ذلك تذكّر الذي نجا ذينك الفتيّين، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف من ذكره أمره للملك، فعند ذلك تذكّر ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾، أي: مدة فقال لهم - أي: للملك والذين جمعهم لذلك-: ﴿أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ﴾ أي: بتأويل هذا المنامُ ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ أي: فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن ومعنى الكلام فبعثوه فجاء فقال: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾.
وقال البغوي: والصدّيق الكثير الصدق؛ ﴿أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾ فإن الملك رأى هذه الرؤيا، ﴿لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فقال له يوسف معبّرًا ومعلّمًا: أمّا البقرات السمان، والسنبلات الخضر، فسبع سنين مخاصيب، والبقرات العجاف، والسنبلات اليابسات فالسنوات المجدبة، فذلك قوله تعالى إخبارًا عن يوسف: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ هذا خبر بمعنى الأمر، يعني: ازرعوا سبع سنين على عادتكم في الزراعة والدأب: العادة، وقيل: بجدّ واجتهاد ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أمرهم بحفظ الأكثر، والأكثر بقدر الحاجة، ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ
شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾
تحرزون وتدّخرون للبذر، ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ معناه: يعصرون العنب خمرًا والزيتون زيتًا والسمسم دهنًا. انتهى ملخصًا. وقال ابن عباس: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾، قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه، وكان الله قد علّمه إياه، ﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ بالمطر، ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾، يعني: يحتلبون. وقال قتادة: يعصرون الأعناب، والزيتون، والثمار من الخصيب، هذا علم آتاه الله يوسف لم يسئل عنه.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: فإن قيل: من أين أخذ قوله:... ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ ؟ فإن بعض المفسرين قال: هذه


الصفحة التالية
Icon