هذا الرجل فإنه هالك. قال ابن إسحاق: حدّثنا يزيد بن رومان: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾، أي: أهل النفاق، ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ أي: إلا دفعًا وتعذيرًا... ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾، أي: للضغن الذي في أنفسهم، ﴿فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾، أي: إعظامًا وفَرَقًا منه، ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾، قال قتادة: أما عند القسمة فأشحّ قوم وأسوأ مقاسمة، أعطونا فإنا قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق.
قال ابن كثير: أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلّة الخبر، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:

أفي السلم أعيار جفاء وغلظة وفي الحرب أمثال النساء العوارك
ولهذا قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾.
وقوله تعالى: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾، قال البغوي: ﴿يَحْسَبُونَ﴾، يعني: هؤلاء المنافقين، ﴿الأحْزَابَ﴾، يعني: قريشًا، وغطفان، واليهود، ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ لم ينصرفوا عن قتالهم جبنًا وَفرَقًا، وقد انصرفوا، ﴿وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ﴾، أي: يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب، ﴿يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ﴾، أي: يتمنّوا لو كانوا في بادية مع الأعراب من الخوف والجبن، ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ أخباركم وما آل إليه أمركم، ﴿وَلَوْ كَانُوا﴾، يعني: هؤلاء المنافقين ﴿فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا﴾ تعذيرًا، أي: يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون: قد قاتلنا.
قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا


الصفحة التالية