قوله عز وجل: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً (٢١) ﴾.
عن قتادة في قوله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ﴾، أي: انفردت، ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾، قال السدي: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها، وهو قوله: ﴿إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً﴾ في شرقي المحراب، ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً﴾، قال وهب بن منبه: أرسل الله جبريل إلى مريم، وقال السدي: فلما طهرت من حيضها إذا هي برجل معها قالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ﴾ بالله، ﴿مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾، قال ابن زيد: قد عَلِمَتْ أن التُّقَى ذو نهية،... ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً﴾، قال جبريل: ﴿كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وإن لم يكن لك بعل ولا يوجد منك فاحشة، فإنه على ما يشاء قادر، ولهذا قال: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾، أي: علامة على قدرة الله، ﴿وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾ للمؤمنين، ﴿وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً﴾ لا يردّ ولا يبدل. وقد
قال تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. قال وهب بن منبه: لما أرسل الله جبريل إلى مريم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت.