قال البغوي: قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾، يعني: كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم، وأقسموا بالله وقالوا: لو أتانا رسول الله لنكونن أهدى دينًا منهم، وذلك قبل مبعث النبي - ﷺ -، فلما بُعث محمد كذبوه فأنزل الله عز وجل ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ﴾ رسول، ﴿لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾، يعني: من اليهود والنصارى ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ﴾ محمد - ﷺ -، ﴿مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً﴾، أي: ما زادهم مجيئه إلاَّ تباعدًا عن الهدى. ﴿اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ﴾ نَصَبَ (استكباراً) على البدل من (النفور). ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾، يعني: العمل القبيح، أضيف المكر إلى صفته؛ قال الكلبي: هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي - ﷺ -. ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ﴾، أي: لا يحل ولا يحيط المكر
السيئ، ﴿إِلا بِأَهْلِهِ﴾ فقتلوا يوم بدر. وقال ابن عباس: عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى: إن وبال مكرهم راجع عليهم، ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ﴾ إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار؟ قال ابن كثير: وقال محمد بن كعب القُرَظِي: ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من: مكر، أو بغي، أو نكث. وتصديقها في كتاب الله: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾. ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾ قال بعضهم: والتبديل: تغيير الصورة مع بقاء المادة، والتحويل: نقل الشيء من مكان إلى مكان آخر. قال ابن كثير: وقوله عز وجل: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ﴾، يعني: عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا﴾، أي: لا تغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل مكذب، {وَلَنْ تَجِدَ