تُؤْمِنُوا} ولعمري ما عمت هذه الآية الأعراب، إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء العرب امتنوا بإسلامهم على نبي الله - ﷺ - فقالوا: أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لا تقولوا آمنا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا حتى يبلغ في قلوبكم.
﴿وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً﴾، يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئًا. وعن مجاهد: قوله: ﴿لَا يَلِتْكُم﴾ لا
ينقصكم ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قال قتادة: غفور للذنوب الكثيرة، رحيم بعباده. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ لم يشكوا في دينهم ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾، قال ابن زيد: صدقوا إيمانهم بأعمالهم.
قال ابن كثير: وقوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ أي: أتخبرونه بما في ضمائركم؟ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. وعن حبيب بن أبي عمرة قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد عند الحجاج جالسين، فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نزلت في قومك بني تميم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ﴾، فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: إنه لو علم بآخر الآية أجابه ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ قالوا: أسلمنا ولم نقاتلك، بنو أسد. قال ابن كثير: ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
* * *