أن نبيّ الله - ﷺ - قال: «إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عَدَن أبين وصنعاء ودون ذلك، حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه». وقال ابن مسعود: (يؤتون من نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورًا مَنْ نوره على إبهامه فيطفأ مرّة ويوقد مرّة). وقال الضحاك، ومقاتل: ﴿يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ كتبهم، يريد أن كتبهم التي أعطوها بإيمانهم ونورهم بين أيديهم، وتقول لهم الملائكة: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ نستضيء من نوركم، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورًا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضًا نورًا خديعة لهم، وهو قوله عز وجل: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ فبينا هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحًا وظلمة فأطفأت نور المنافقين، فذلك قوله: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ مخافة أن يُسلبوا نورهم كما سُلب نور المنافقين ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾ فاطلبوا هناك لأنفسكم
نورًا، فإنه لا سبيل لكم إلا الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين؛ وهو قوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ وهو حائط بين الجنة والنار ﴿لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾، أي: في باطن ذلك السور الرحمة وهي: الجنة، ﴿وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ وهو: النار ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾ في الدنيا نصلّي ونصوم؟ ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾، أهلكتموها بالنفاق والكفر، واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلّها فتنة ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالإِيمان والتوبة ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ تشكّكتم ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ الأباطيل وما كنتم تتمنّون من نزول الدوائر


الصفحة التالية
Icon