فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئًا أشدّ علينا من شتم يشتمنا هؤلاء، إنهم يقرؤون: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ هؤلاء الآيات مع ما يعيبونا به في قراءتهم، فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا به، قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ فدعونا، قال: فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نردّ عليهم. وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في
الأرض ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة: ابنوا لنا دورًا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نردّ عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحد من أولئك إلا وله حميم فيهم. قال: ففعلوا ذلك، فأنزل الله جلّ ثناؤه:... ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾، والآخرون قالوا: نتعبّد كما تعبّد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتّخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم. قال: فلما بعث النبيّ - ﷺ - ولم يبق منهم إلا قليل، انحطّ رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وجاء صاحب الدار من داره، وآمنوا وصدّقوه فقال الله جلّ ثناؤه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾.
قال ابن جرير: لإيمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتوراة، والإنجيل، وإيمانهم بمحمد - ﷺ -، وتصديقهم به. قال: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ : القرآن وإتباعهم النبيّ - ﷺ -. وقال: ﴿لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وعن قتادة: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ فهاتان من الله، والرهبانية ابتدعها القوم من أنفسهم، ولم تُكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ


الصفحة التالية
Icon