«فكيف إذا تحدّث الناس يا عمر أن محمدًا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن نادِ يا عمر بالرحيل».
فلما بلغ عبد الله بن أبيّ أن ذلك قد بلغ رسول الله - ﷺ - أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم، وكان عند قومه بمكان فقالوا: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل؛ وراح رسول الله - ﷺ - مهجّرًا في ساعة كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير رضي الله عنه فسلّم عليه بتحيّة النبوّة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها! فقال رسول الله - ﷺ -: «أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيّ؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعزّ منها الأذلّ»، قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل؛ ثم قال: أرفق به يا رسول الله، فوالله لقد جاء الله بك وإننا لننظم له الخرز لنتوّجه فإنه ليرى أن قد سلبته ملكًا. فسار رسول الله - ﷺ - بالناس حتى أمسوا
وليلته حتى أصبحوا، وصدر يومه حتى اشتدّ الضحى، ثم نزل بالناس يشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مسّ الأرض فناموا، ونزلت سورة المنافقين. وفي روايته عند الإِمام أحمد قال: فأتيت النبيّ - ﷺ - فأخبرته، فحلف عبد الله بن أبيّ أنه لم يكن شيء من ذلك، فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا. فانطلقت فنمت كئيبًا حزينًا، فأرسل إليّ نبيّ الله - ﷺ - فقال: «إن الله قد أنزل عذرك وصدقك»، قال: فنزلت هذه الآية: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا﴾ حتى بلغ: ﴿لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾. وذكر عكرمة وغيره أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله على باب المدينة واستلّ سيفه، فجعل الناس يمرّون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبيّ قال له ابنه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ ! فقال: والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله - ﷺ -، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء رسول الله - ﷺ -.