قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) }.
قال البغوي: قوله عز وجل: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾، أي: يعرض عن ذكر الرحمن، فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه. قال القرظي: يول ظهره عن ذكر الرحمن، وهو: القرآن. قال أبو عبيدة: يُظْلِم بصره عنه ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ نسبب له شيطانًا، ونضمه إليه ونسلطه عليه، ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه
على الهدى ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ يعني: الشياطين ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ ويحسب كفار بني آدم أنهم على هدى،... ﴿حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ﴾ لقرينه ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ أي: بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما يقال: القمران والعمران ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ﴾ في الآخرة ﴿إِذ ظَّلَمْتُمْ﴾ أشركتم في الدنيا ﴿أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ لا ينفعكم الاشتراك في العذاب، لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ ؟ يعني: الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون، ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ بأن نميتك قبل أن نعذبهم، ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ بالقتل بعدك ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ﴾ في حياتك ﴿الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ من العذاب ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ﴾ قادرون متى شئنا عذبناهم، وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ﴾، أي: القرآن، ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ﴾ لشرف لك ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾ من قريش، ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ عن حقه وأداء شكره. وقال مجاهد: القوم هم العرب، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب، حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم قوله: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾،