غِشَاوَةً}، أي: فلا يسمع ما ينفعه ولا يعي شيئًا يهتدي به ولا يرى حجة يستضيء بها ولهذا قال تعالى: ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
قوله عز وجل: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٦) ﴾.
عن قتادة: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾، أي: لعمري هذا قول مشركي العرب. وعن أبي هريرة مرفوعًا قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، قال: فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار». رواه ابن جرير. وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن قول الدهرية ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾، أي: ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم
معاد ولا قيامة؛ وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم وهم ينكرون البداءة والرجعة، وتقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾،


الصفحة التالية
Icon