غير أن الزمن الفني –بطروحه المعقدة- هو الظاهرة والمفارقة، لما فيه من ضبابية وغموض. وفي هذا السياق يقول أَنْدري بريتون "إن أرثور كرافان ﷺrthur Cravan. قد طرح سؤالاً محيراً على الأديب الفرنسي أَنْدري جيد ﷺ. Gide: السيد جيد: أين نحن الآن بالنسبة للزمن؟ السادسة إلا ربع (أجابه بدون خبث)، ويضيف بريتون آه. يجب أن نعترف أننا سيئون جداً مع الزمن"((١)).
فهو ضمنياً يشير إلى ضرورة إعادة النظر في المفاهيم المتعلقة بالزمن والتي استقر عليها عرف النحاة، ودرجت عليها ضمائر المشتغلين في حقلي النقد والفلسفة. فالزمن شيء آخر غير ما نعرف ونعهد.
ولعل الذي يجسد الصعوبة الزمنية، هو حتى هذا الزمن الذي يسمى تقليدياً، نجده يتسم بالغموضية والتعتيم. من ذلك مثلاً اليوم. فهو –في عرفنا- محكوم بالساعات. والساعة الواحدة فيه مختلفة تبعاً لاختلاف الأحوال والظروف.
فالساعة –صيفاً- زمن طويل. وهي ذاتها –شتاء- زمن قصير.
غير أن المدهش هو أن الساعة الواحدة في تشاكلها –صيفاً وشتاء- عند تحسسنا لها تغتدي زمناً ذا شقين مختلفين. بحيث ألفيناها تطول عند شخص، وتقصر عند آخر.
ولعل مظاهر الطول تتبدى في ليالي المتيمين المحصورين في دائرية الوجد وفرط الصبابة.
وفي هذا السياق يقول المتنبي:
"ليالي بعد الظاعنين شُكُولُ... *... طوالٌ وليل العاشقين طويلُ"((٢))
إن الزمنية –بمفهومها الفني والتقليدي- شكلت صعوبة ملحوظة في التوظيف الأدبي، وليس أمر غموضها مقصوراً على فئة الفلاسفة والمتصوفة بل، حتى تساؤلات الشعراء حولها كانت واردة. فالمتنبي يتحسّس مرارة الزمن وتقلباته فيقول:

"صحب الناس قبلنا ذا الزمانا فعناهم من شأنه ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه وإن سر بعضهم أحايناً"((٣))
(١) عبد الحميد جيدة: الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر –ص٢٥٢.
(٢) عبد الرحمن البرقوقي: شرح ديوان المتنبي –ج٣-٤/ دار الكتاب العربي –ص٢١٧.
(٣) نفسه ص ٣٧٠.


الصفحة التالية
Icon