فالسرد في لسان العرب" تقدمة شيء إلى شيء تأتي به متّسقاً بعضه في إثر بعض. وسرد الحديث: إذا تابعه وكان جيد السياق له.. والسّرد: الخرز في الأديم. وقيل سردها: نسجها. وهو تداخل الحلق بعضها في بعض. وسرد خفّ البعير سرداً: خصفه بالقد.. وفي القرآن ﴿ وقدِّر في السَّرد ﴾ قيل: أن لا يجعل المسمار غليظاً، والثقب دقيقاً فيفصم الحلق. ولا يجعل المسمار دقيقاً، والثقب واسعاً فيتقلقل أو ينخلع، أو ينقصف. اجعله على القصد وقَدْرِ الحاجة"(١).
فالواضح من هذه التعاريف، أنها تركز في مجملها على الموالاة في العرض (السردية) من وجهة، والمحافظة على مبدأ التقنية المرتبط بالتجويد والفنية من وجهة أخراة وهي من السمات السردية التي سنتعرّض لها لاحقاً.
ومن شأنها، أنها نظرت إلى السرد، وما يتصل به من مسائل فنية، ليس على أساس الأبعاد اللغوية والمعجمية، وإنما تجاوزته إلى المستوى التقني الذي يموضع السرد في مقام التبليغية التي تنشدها الحداثة.
ويمكننا القول: بأن ما تشي به هذه التعريفات (فنياً وجمالياً) يحيلنا إلى تناول هيكل النص القرآني بوصفه بنية سردية إفضائية تسمح لنا باستكناه تمظهراتها السردية الإعجازية، وبخاصة في معطاها البنائي، أو في التجليات الباطنية التي لا يقذف بها النص لمجرّد ملامسته، وإنما تتبدى بفعل ذهنية القارئ الموصولة بالإحساسات الجمالية الفطرية المرهفة.
غير أن هناك تعريفات أخرى لم تتجاوز-في معظمها- الرؤية التراثية. من ذلك ما قاله الرافعي، حين نظر إلى السرد على أنه: "متابعة الكلام على الولاء والاستعجال به، وقد يراد به أيضاً، جودة سياق الحديث، وكأنه من الأضداد"(٢).

(١) ابن منظور: لسان العرب (سرد)/ج٤/ طبعة مصورة عن طبعة بولاق الدار المصرية للتأليف والترجمة ص ١٩٥.
(٢) الرافعي: تاريخ آداب العرب/ج٢/ط٢/ دار الكتاب العربي/ بيروت لبنان ١٩٧٤ ص٢٩٧.


الصفحة التالية
Icon