ويمكن القول: إن سر، جمال هذه القصة يكمن في مكوِّنها الإيقاعي الثري المتنوع. كما رأينا. لا جرم أن كثيراً من المشتغلين في حقل الإجرائية اللغوية يرون في الإيقاع، أنه من الأمور الصعبة التي لا يمكن معالجتها وتحديد معالمها. وإن كانوا حاولوا حراسة حدود الجمالية الإيقاعية، حيث وضعوا قوانين واعتبروها قاعدة تنسحب على كل نص إبداعي وإليها يعزى اكتشاف الإيقاع. وهي سبعة "النظام –التغير –التساوي- التوازي- التلازم- التوازن –التكرار"((١)) وإن كانت هذه القوانين –في حقيقتها- مجرد مساعدة للحكم على الآثار الأدبية، فإن جمالية الإيقاع في القرآن لا تسعها هذه القوانين و لا تحدها.
وبهذه الدراسة السيميائية لمكونات الخطاب السردي في قصة الوليد، يكون النص القرآني قد بلغ المدى في دقة التصوير وجمال الإيقاع وإعجازية التركيب مما يدفع إلى الإعجاب والانبهار.
وفي هذا السياق يقول الرافعي "وبعد فأنت ترى أن أفصح الكلام، وأبلغه وأسراه وأجمعه لحر اللفظ ونادر المعنى، وأخلقه أن يكون منه الأسلوب الذي يُحسم مادة الطبع في معارضته. هو ذلك الذي تريده كلاماً، فتراه نفساً حيّة كأنها تلقي عليك ما تقرؤه ممزوجاً بنبرات مختلفة، وأصوات تُدخل على نفسك –إن كنت بصيراً بالصناعة متقدماً فيها- كل مدخل، ولا تدع فيها إحساساً إلا أثارته ولا إعجاباً إلا استخرجته. فلا يعدو الكلام أن يكون وجهاً من الخطاب بين نفسك ونفس كاتبه، وتقرؤه وكأنك تسمعه، ثم لا يلج إلى فؤادك، حتى تصير أنت المتكلم به، وكأنه معنى في نفسك ما يبرح مختلجاً، ولا ينفك ماثلاً من قديم، مع أنك لم تعرفه إلا ساعتك"((٢)).
(((
الفصل الثالث:
مستويات السّرد في القصة القرآنية
يتمثَّل موضوع هذا الفصل، في البحث عن مستويات السرد الإعجازي من خلال نصوص قرآنية معينة.
(٢) الرافعي: تاريخ آداب العرب ص٢٠٤.