غير أن هذا اللون من الفونيمات أو المد الصوتي المفتوح، وجدناه ينسحب على بنية السور المكية، لما فيها من إيقاع يقوم على التماس الذائقة الجمالية وينهض على تحريك الوجدان وتفعيل الدلالة.
ولا شكّ أن تنامي مثل هذا الإحساس يحصل بحكم انجذابنا إلى ما هو جميل ومدى استجاباتنا له.
وانطلاقاً من هذا، فإننا نتصوّر أن يكون الإيقاع القرآني، هو المظهر الخفي ذو الإيحاءات القوية المبثوثة خلال الفونيمات، وهو ببعض هذا، قريب إلى الرؤية التي تنظر إلى الإيقاع على أنه "في الفن هو الذي يمثل نبض الكون، فهو مبدأ جوهري يسري في كل عصر، وفي كل إنسان، إنه قوة موضوعية. هذه القوة وحركتها موجودتان دائماً بصرف النظر عن كوننا نعي ذلك أو لا نعيه"((١)).
غير أن إدراك الإيقاع في جانبه البنائي، قد لا يشكل صعوبة في استكناهه ومعرفته. إنما الصعوبة تحصل بفعل الحركة الاستبطانية التي يسري فيها الإيقاع وعلاقتها بمضمونية النص الأدبي، وذلك حين تصبح إيقاعات الألفاظ مادة أساسية لتكوين النص القصصي، بحيث تنوب أحياناً عن المضمون، ويقصد من ورائها إلى الإيحاء بنفس الرنين والنغم إلى استكمال مالا تستطيع معاني الألفاظ أو تؤديه من الأحاسيس والمشاعر.
والحقيقة أن دراسة الإيقاع ليست عملية سهلة "والواقع أنه ربما كان من السهل دراسة الإيقاع في الموسيقى، وكشف هذه القوانين بسهولة فيها، لأنها فن زماني تتضح فيه الصورة الأولى ولا تختلط بشيء. أما فن القول فإن استكشاف هذه القوانين أمر من الصعوبة بمكان"((٢)).
ولعل ذلك كله يدفعنا إلى القول: إن السرد الإيقاعي ظاهرة تعبيرية تنقل الأحوال الوجدانية نقلاً غامضاً ومتوقّعاً، وفق رنّة مقصودة هي أقرب إلى المعنى المحمول عبر تلك الإيقاعية.
(٢) عز الدين اسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي، ص٢٢١.